المقالات

أخلاقيات التكنولوجيا

أخلاقيات التكنولوجيا

أوجدت وسائل الإعلام والمعلومات بمختلف أنواعها لتسهيل وتيسير حياتنا ورفاهيتها، من خلال ماتحوية من إمكانيات، وما تقدمة من خدمات في تبسيط الحياة لنا، ما دعا الدول والحكومات لأن تسعى لبناء المجتمعات المعرفية التي تقوم في أساسها على نشر المعرفة وتقديمها بصورة علمية عملية تخدم أفراد المجتمع.

وفي ظل التطور المتسارع الذي تشهده التقانة والانتشار الواسع لها، وما أفرزه هذا التطور من تراكم معرفي هائل، بحيث أصبح العالم لا تحده حدود ولا يعترف بالمسافات والعادات والقيم والمثل، وغدت بحور المعرفة تتوسع وأمواج العلم تتدفق على تلك الوسائل، تحمل ما هو جيد ومفيد وما هو دون ذلك، و لضعف الأدوات في ضبط أخلاقيات المستخدمين سواء كانوا مرسلين أم مستقبلين، باتت عملية التحكم في المعلومات والبيانات المتداولة عبر تلك الوسائل المختلفة أمر يصعب السيطرة علية، وأصبح البعد الأخلاقي في التعامل مع هذه التكنولوجيات يشكل هاجسا يؤرق المجتمع الدولي بأسره، وفي ظل عجز الدول عن تفنيد ما يتم تصديره لها، فقد اتجهت الحكومات والمؤسسات والمنظمات الدولية والأهلية إلى المناداة بس القوانين والتشريعات لتنظيم هذا النوع من التعاملات في تلك التقانه، بحيث تجمع هذه القوانين والتشريعات تحت إطار "أخلاقيات التكنولوجيا أو أخلاقيات المجتمع المعرفي" والتي ينبغي على المستخدمين التقيد والالتزام بها، لتتولد في ذات المستخدم ما تسمى بـ "السلطة الذاتية"، والتي تدار من قبل المستخدم بذاته، وتعتبر الموجه والمحدد التي تبنى عليها سلوكيات الفرد ووفقا لما تمليه عليه أفكاره وضميره، لتحكم علاقة المستخدم بما يستخدمه من وسائل إعلام واتصال، لنجد أن الأخلاقيات ترتبط بالمستخدمين من سلوك واتجاهات عند استخدام الوسائل التكنولوجية، فتأتي الأخلاقيات بتلك التشريعات والقوانين ، والتي يجب على المستخدمين العمل في إطارها، والأخذ بها كي تبنى عليها قراراتهم وسلوكياتهم عند استخدامهم التكنولوجيا.

و تتخذ مظاهر الاستخدام الغير أخلاقي أشكالا عدة وصورا متنوعة مع تنوع واختلاف أدوات الإعلام من تلفاز، وحواسيب، وشبكة معلومات، وهواتف ذكية، وأجهزة لوحية، وصحف الكترونية، ومدونات، وكاميرات رقمية، ومن أشكالها على سبيل المثال لا الحصر: انتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسرقة جهد الآخرين، وسرقة الأرصدة والأموال البنكية عبر التحويل الالكتروني، ونسخ البرامج وسرقتها، وإتلاف البيانات والمعلومات والتلاعب بها، والتدمير الالكتروني، والمخاطر التي تنجم عن غرف الدردشة ناهيك عن نشر الصور ومقاطع الفيديو المخلة بالآداب، والتشهير وتشويه لسمعة الآخرين من شركات ومؤسسات وأفراد، وكذلك الإدمان على تلك الوسائل، والقضايا المرتبطة بالتعددية الثقافية واللغوية والفجوة الرقمية، والحفاظ على السجل التراثي للأمم، تلك جميعها من  المظاهر التي يشملها الاستهجان الأخلاقي لوسائل الإعلام، والتي نرى منها أنها تتمثل بين المستخدم ونفسه وبين المستخدم والآخرين أو بين المستخدم والمكونات المادية للتكنولوجيا من أجهزة ومعدات.

 والأخلاقيات بصورة عامة هي ليست قواعد متفق عليها عند جميع الدول والمجتمعات  فهناك فروق بين دول وأخرى ومجتمع وآخر منهم من يرى في قضية معينة أنها لاتمس بالأخلاق ولا تحتاج إلى الضبط، والنظر إليها على إنها مسألة تدخل في الحريات  الفردية ، في حين ترى دول و مجتمعات أخرى أنها في قمة الانحلال الخلقي، ولابد من وضع محددات للتعامل مع تلك المسائل، ولهذا الاختلاف اختلفت الدول في الإجماع على أسس لوضع مبادئ لأخلاقيات التكنولوجيا، فبرزت من ذلك مفاهيم  مختلفة، ووجهات نظر متباينة حول تلك الأخلاقيات، وظهرت أطراف منهم من ينادي بضبط أخلاقيات التكنولوجيا بشكل مطلق ومنهم من يرى بأهمية الضبط ولكن دون المساس بحرية التعبير، فحماية الخصوصية وحرية التعبير والإبداع الفكري هي أخلاق حميده في ظاهرها ولكن في واقعها هناك قضايا متشابكة ومتضادة فيما بينها، أفرزت وجود خلافات واختلافات كثيرة في التفاسير ووجهات النظر بين الدول عامة والمجتمعات خاصة.

وقد بذلت منظمة اليونسكو جهودا حثيثة في المجال الأخلاقي للتكنولوجيا سعيا منها لإيجاد رؤية واضحة في هذا الشأن، و كان آخرها إطلاق مدونه لأخلاقيات التكنولوجيا والتي تم الاتفاق عليها من قبل الدول الأعضاء بالمنظمة، خلال اجتماعات المؤتمر العام لليونسكو في دورته 36 ، والتي أخذت حيزا كبير من المداخلات والمناقشات والتعديلات بين الدول ، وما اعتبره شخصيا انه أمر طبيعي لما ذكرناه سابقا من اختلاف في  العادات والتقاليد والتي تبنى عليها الأفكار والتوجهات بين الدول، و المدونة وهي ليست ملزمه للدول بالأخذ بها ولكنه لتاطر توجهات الدول في وضع المحددات لأخلاقيات لتكنولوجيا، كما أن منظمة اليونسكو نادت من خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف(2003)على أهمية مشاركة أفراد المجتمع في ضبط أخلاقيات المعلومات، كما أصدرت المنظمة تقريرا عن خطورة برامج الإعلام والمعلومات على الشباب ويشير التقريرالى تأثير تلك الوسائل على أخلاقيات الأفراد مشيرا إلى أن أفلام العنف تؤدي إلى اضطرابات أخلاقية تكمن وراء الجرائم المختلفة،كما أن اليونسكو تعمل على إطلاق منهاج للتوعية الإعلامية والمعلوماتية  والذي يسعى إلى تثقيف المجتمعات إعلاميا ومعلوماتيا بأساسيات التعامل مع المعلومات ووسائل الإعلام، ومن خلال المجلس الحكومي لبرنامج المعلومات للجميع ، تضع اليونسكو ضمن أولوياتها الخمس الأخذ بأخلاقيات المعلومات، وتقوم كذلك المنظمة نحو تأسيس مركز لتبادل المعلومات الخاصة بالإعلام والمعلومات.

وقد شرعت سلطنة عمان ممثلة في عدة جهات مختلفة منها هيئة تقنية المعلومات وهيئة تنظيم الاتصالات ووزارة النقل والاتصالات وعدت وزارات معنية بسن القوانين والتشريعات للعمل على تنظيم قطاع التقانه في السلطنة، وصدرت عدة مراسيم سلطانية ترتبط بالأخلاقيات عند التعامل مع التكنولوجيا، ووضع أحكام جزائية لمن يتعدى على تلك المسائل والقضايا، فالمرسوم السلطاني الخاص بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والصادر عام 2011، يتطرق في عدد من مواده إلى تنظيم التعامل مع التكنولوجيا، فالفصل الثاني يتعلق بالتعدي على سلامة وسرية توافر البيانات والمعلومات الالكترونية ومنه تتفرع عدة مواد منها: الدخول بدون وجه حق في موقع الكتروني أو نظام معلوماتي لمحاولة تدمير أو إتلاف أو تغير معلومات مخزنه في النظام والنظم المالية، الإطلاع بدون وجه حق على بيانات ومعلومات حكومية سرية، إتلاف أو تغير أو تعديل موقع الكتروني دون وجه حق، التنصت أو الاعتراض لخط سير بيانات الكترونية دون وجه حق، وكذلك الفصل الثالث يتعلق بإساءة استخدام وسائل تقنية المعلومات ومنه ماده حول استخدام الشبكة المعلوماتية ووسائل التقنية في إنتاج أو بيع أو شراء أو توزيع برامج أو أجهزة أو كلمات سر أو رموز لدخول نظام معلوماتي لأغراض ارتكاب جرائم متعلقة بتقنية المعلومات، وأيضا الفصل الرابع يختص بالتزوير والاحتيال المعلوماتي وتتفرع منه مواد حول :التزوير المعلوماتي، إتلاف أو تشويه أو إلغاء بيانات أو معلومات الكترونية في نظام معلوماتي، أما الفصل الخامس فيتعلق بجرائم المحتوى وتتفرع منه مواد بعضها حول: نشر أو عرض أو توزيع مواد إباحية ما لم يكن لأغراض علمية أو فنية مصرح بها، التحريض أو الإغواء لذكر أو أنثى لارتكاب الفجور أو الدعارة أو المساعدة على ذلك، تصوير أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية عن حرمه الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، المقامرة والمساس بالآداب العامة، تهديد أشخاص أو الابتزاز لفعل ما، المساس بالقيم الدينية أو النظام العام، الاعتداء على الحقوق الملكية ، وتطرق الفصل السادس إلى البطاقات المالية ومعاقبة كل من يقوم بالعمل على تزوير أو صنع أو الاستيلاء على تلك البطاقات، وتحت كل مادة من تلك المواد يسرد القانون مواد جزائية لمن يخالف تلك القوانين.

وهناك أيضا المرسوم السلطاني الخاص بقانون تنظيم الاتصالات وتعديلاته الذي تطرق في بعض مواده إلى الأخلاقيات التي يجب العمل بها عند استخدام وسائل الاتصالات المختلفة منها المادة الخامسة تتعلق بحظر مراقبة وسائل الاتصالات ومضمونها أو إفشاء سريتها أو اعتراضها أو مصادرتها أو استغلالها بدون إذن مسبق من المحكمة المختصة، والمادة الثامنة الفقرة العاشرة مكرر1 تتضمن وضع ضوابط وقواعد لتنفيذ السياسة العامة للقطاع ومنها على الأخص ما يتعلق بمنع جميع أشكال الهيمنة والاحتكار في استغلال الطيف الترددي وتقديم الخدمات، والفقرة العاشرة مكرر 9 تتضمن وضع ضوابط التي تضمن حماية البيانات الخاصة بالمنتفعين وضمان سريتها وخصوصيتها، والمادة سبعة وثلاثين مكرر 1 تتضمن بالتزام موفر الخدمات على شبكة الانترنت بسرية الخدمات التي يؤديها إلى المنتفعين وعدم  العبث بها أو الكشف عنها أو عن أية بيانات عن المنتفع إلا بناء على أمر يصدر من المحكمة المختصة، والمادة سبعة وثلاثون مكرر 3 تتضمن آن يكون موفر الخدمات على شبكة الانترنت مسؤلا عن أية انتهاكات لحقوق النشر والحقوق الأخرى المرتبطة به.

وهناك أيضا العديد من المراسيم السلطانية التي ترتبط في بنودها وموادها بأخلاقيات التكنولوجيا منها قانون الحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الصادر عام 2008، والمرسوم السلطاني الخاص بقانون الملكية الصناعية عام 2008، والمرسوم السلطاني الصادر عام 2008 الخاص بقانون التعاملات الالكترونية .  

وعلى ذلك ومما نراه أن سلطنة عمان وضعت الأخلاقيات من أولوياتها عند رسم السياسات الخاصة في بناء المجتمعات المعرفية، وعملت على تشريع قوانين وطنية تنظم تداول المعلومات وتدعم كل الجهود الخاصة بحماية الخصوصية والملكية الفكرية والسرية و حرية التعبير للأفراد في المجتمع، ومما يجب علينا هو العمل نحو توعية أفراد مجتمعنا إعلاميا ومعلوماتيا، وبناء التفكير الإبداعي للأجيال القادمة، كما أري ضرورة العمل نحو إطلاق أسبوع للوعي الإعلامي والمعلوماتي، يتم من خلاله إبراز وتداول ومناقشة القضايا المتعلقة بالإعلام والمعلومات والأخلاقيات وبكل ما يرتبط بمسائل التعامل مع الوسائل والأدوات الإعلامية والمعلوماتية، للمساهمة في بناء الفكر الناقد لدى أفراد مجتمعنا، كما أرى ضرورة تأسيس مرصد وطني لأخلاقيات التكنولوجيا، كمنظومة لعدد من القواعد ومقياس لمؤشرات في مجتمعنا يمد صناع القرار بالمعلومات التي يتم من خلالها رسم السياسات، وذك أسوة ببعض الدول، كما يجب علينا أن نتسارع إلى اكتساب الأخلاق في جميع جوانب حياتنا ونربي أنفسنا على المحاسبة الذاتية، كي نكون قدوة لأجيال الغد، ولنضع في نصب أعيننا بأن التفكير والتفنيد والتشكيك مطلب أما تدفق المعلومات من الوسائل المختلفة، كي نحصن أفراد مجتمعنا من سرطنة التكنولوجيا، ولزاما علينا أن نقوم بتوعية كل فرد في مجتمعنا ونجعل منه مشروعا نقوم على تغذيته وتوعيته بكل ما هو سيقوده إلى بر الأمان عند استهلاكه أو استخدامه لتلك الوسائل، حتى يواجه ما ينجم عن تلك التيارات التي تحاول جره إلى أهداف وغايات من قام بالترويج لها، فإذا صلح الفرد صلح المجتمع بأسره، إيمانا منا بالمقولة العلوم بدون أخلاقيات هي عمياء، والأخلاقيات بدون علوم فهي فارغة، واختم هذه المقالة  بقول الشاعر:

إنما الأمم الخلاق ما بقيت .... فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

 

 

 

المراجع:

http://www.unesco.org/new/en/communication-and-information/    accesses in 21/3/2012.
(   أخلاقيات الانترنت   )   http://ar.wikipedia.org/wiki/      accesses in 5/3/2012
المرسوم السلطاني بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات  رقم 12/2012
accesses in 25/4/2012

المرسوم السلطاني بإصدار قانونتنظيم الاتصالات وتعديلاتهرقم30/2002   

http://www.omantel.om/wpresources/files/59_arAct.pdf accesses in 25/4/2012

 

هاني محي الدين عطية . تجربة في أخلاق المعلومات : دراسة استطلاعية لرؤية طلاب علم المعلومات_ المكتبات والمعلومات العربية ، يوليو 2007  .
(ندوة أخلاقيات مجتمع المعلومات، النادي العربي للمعلومات فرع الأردن، هناء غانم، 2002)                            http://www.alarabiclub.org/index.php?p_id=213&id=227 accesses in 20/3/2012

 

بقلم : سيف بن حمد البوسعيدي

اللجنة الوطنية العمانية للتربية و الثقافة والعلوم

saifalbusaidi@moe.om


 

سالم الحضرمي
13/08/2015


بورك قلمك اخي سيف مقال رائع مثري كما عودتمونا دائما.

أم عبدالملك
02/09/2015


مقال رائع ومتزامن مع احتياجات الوطن من الثقافة الأخلاقية في استخدام التكنولوجيا

ابو ابراهيم
06/02/2016


مقال جيد

العبري
01/05/2016


معلومات قيمة

اكتب تعليقك....
ضع تعليق
إلغاء