إن الأخذ بالتكنولوجيا في حياتنا المعاصرة، وتسخير برامجها لخدمة أجيال الغد ضرورة حتمية لابد منها، ومورد لابد من ان نستقي منه، فمع تعدد وانتشار الوسائل والأدوات التكنولوجية والبيئات المختلفة التي أوجدتها التقنية، ظهرت مصطلحات كثرة وبرامج متعددة، جعل دول العالم- حرصا على ثقافاتها وقيمها تعيد النظر والتفكير بعمق في الاهمية والحاجه لمثل هذه البرامج وما قد تجلبه من منافع او ما قد تجره من مخاطر.
إن الانفجار المعرفي أوجد أهمية بالغة لبرامج التقنية في عملية التعليم والتعلم بالدول، فتنافست الشركات والمؤسسات والمنظمات في انتاج برامجها بغية ايجاد بيئات تعليمية مفيدة تنقل وتشارك المعرفة بكل امانة وموضوعية، كي تقدم للمهتمين عصارة من المعرفة وخلاصة من التجارب الانسانية يستنار بها في عملية التخطيط والتنفيذ في مجال التعليم، ولعل مصطلح المصادر التعليمية المفتوحة احد تلك البرامج والبيئات التعليمية الحديثة، التي تعمل على تحديثها وتطويرها العديد من الدول و المنظمات؛ حيث تقوم فكرة المصادر التعليمية المفتوحة على المشاركة والتشارك في تنمية وتطوير المواد والموارد التعليمة بدون حدود ولا قيود ولا تكاليف مالية او ادارية، وهي بذلك تساهم في نسج محتوى المواد والوسائل والادوات التعليمية، كما انها تجمع بين فكر المربين و حوار المهتمين باختلاف فئاتهم العمرية ، وسوف يتطرق هذا المقال إلى بعض النقاط والتوضيحات للمصادر التعليمية المفتوحة.
مفهوم المصادر التعليمية المفتوحة:-
يعتبر مصطلح المصادر التعليمية المفتوحة - كما تم ذكره سالفا - من المصطلحات الحديثة، فهو مصطلح شامل يذهب إلى أبعد من المصادر المفتوحة و التعليم الالكتروني وغيرها من المصطلحات المنتشرة، فهو يأخذ فكر التشارك والمشاركة وتعرف على انها "مواد الكترونية وغير الكترونية من المناهج الدراسية ومواد المقررات والكتب الدراسية ومقاطع الفيديو وتطبيقات الوسائط المتعددة والخرائط الجغرافية وغيرها من المواد المصممة بغرض التعليم والتعلم، وتعطي الحق للمستخدم بإبداء رايه واضافة ما يراه مهما الى تلك المواد ومشاركة الآخرين بأعمالهم، بدون اية قيود مادية وادارية او الحاجة إلى شراء حقوق الطبع أو دفع رسوم للتراخيص".
مقارنة المصادر التعليمية المفتوحة بغيرها من برامج التعليم:
في ظل انتشار البرامج والتقنيات الحديثة ظهرت مصطلحات عده تعنى بالتعليم القائم على التقنية منها التعليم الالكتروني والتعليم القائم على المواد والتعليم المفتوح، والتعليم عن بعد، ولكن مصطلح المصادر التعليمية المفتوحة يختلف عن تلك المصطلحات من حيث التراخيص والقوانين، وبمقارنة المصادر التعليمية المفتوحة مع التعليم الالكتروني نجد ان التعليم الإلكتروني يكون دوما مرادفا للتعليم عبر الانترنت ولا يحمل اية تراخيص، أما المصادر التعليمية المفتوحة لا تقتصر على كونها الكترونية؛ بل قد تكون مطبوعة أيضاً، أي بالإمكان نشرها ورقيا أوتكون مرئية أو سمعية أو الوسائط المتعددة عن طريق الحاسوب، ونظراً لتحديات الاتصال بشبكة الانترنت التي تواجهها بعض الدول النامية، فيتوقع الباحثون والمتخصصون إن نسبة كبيرة من الموارد المتعلقة بالتعليم العالي يتم تشاركها ورقياً أكثر من تشاركها الكترونياً مما قد يضيف اهمية اكبر للمصادر التعليمية المفتوحة بالإضافة الى حماية الملكية الفكرة والقانونية في هذه المصادر.
وبمقارنة المصادر التعليمية المفتوحة مع التعليم المفتوح نجد ان التعليم المفتوح ليس مجرد نشر مواد بترخيص مفتوح او استخدام مواده في البرامج التعليمية فهو يتطلب منهجا للتقييم والاعتماد ووسائل دعم للطلاب وتخطيط للمناهج وآليات يجب ان تراعى قبل البدء بالتعليم. أما المصادر التعليمية المفتوحة فلا تحتاج لكل ذلك فهي أسهل في الوصول وأعم لجميع فئات المجتمع.
أهمية المصادر التعلمية المفتوحة :
لقد اصبح المخططون التربويون ينظرون الى الاستثمار في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات على أنه جزء ضروي في عملية الاعداد والتطوير لمناهجهم و واصبح استخدام التكنولوجيا في التعليم عامل جذب للدارسين والمهتمين، وبالتالي؛ فهو أساسي في نظر العامة والخاصة من افراد المجتمع، وهو كذلك مجال للتطوير والابتكار وتحسين جودة ونوعية التعليم. ويمكن حصر اهمية المصادر التعليمة المفتوحة في النقاط التالية:
1. تحسين وتطوير نوعية وفاعلية التعليم من خلال وجود هذه المواد المتاحة بسهولة ويسر.
2. رفع جودة التعليم والمواد التعليمية وإدارة المصروفات بشكل عام في ظل التحديات التي تواجه التعليم في إدخال التكنولوجيا في المناهج التعليمية.
3. توافر نوعية ممتازة من المواد التعليمية يسهم في تكوين طلاب ومعلمين أكثر إنتاجية .
4. السماح باستخدام المواد التعليمية وقيام الطلاب بتضمينها في دروسهم يحقق تفعيل مشاركة الطلاب في العملية التعليمية ويحفز القدرات الإبداعية لديهم
5. تلعب المصادر التعليمية المفتوحة دوراً مهماً في تعزيز القدرات عن طريق إتاحة الوسائل التعليمية للمؤسسات التعليمية والجامعات بدون رسوم لتطوير قدراتهم على إنتاج وتصميم مواد تعليمية خاصة بهم.
وبالتالي ومن خلال ما سبق استعراضه من أهمية للمصادر التعليمية المفتوحة يمكن أن تتحقق ما يلي:
1.الاستثمار في تكوين بيئات تعليمية فاعلة للحصول على تعليم نوعي.
2.ايجاد وسيلة رئيسية لتكوين أنظمة منتجة من شأنها تطوير الأساس الفكري المشترك بدلا من تكرار الجهود المماثلة.
3.القدرة على تكييف المصادر التعليمية المتاحة بصورة أفضل وأشمل وبدون أية قيود.
اعلان باريس للمصادر التعليمية المفتوحة عام 2012 :
عقد مؤتمر دولي للسياسات الحكومية للموارد التعليمية المفتوحة في يونيو2012 ،
واعتمدت الدول الاعضاء بالمنظمة توصيات خرجت على شكل اعلان باريس للموارد التعليمية المفتوحة 2012 ومن أبرز هذه التوصيات :
تعزيز الوعي باستخدام الموارد التعليمية المفتوحة.
توفير بيئة مواتية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
تعزيز إعداد الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالموارد التعليمية المفتوحة.
النهوض بفهم واستخدام أطر عملية الترخيص المفتوح.
دعم بناء القدرات من أجل التنمية المستدامة لمواد التعلم الجيدة.
تدعيم التحالفات الاستراتيجية من أجل الموارد التعليمية المفتوحة.
تشجيع إعداد الموارد التعليمية المفتوحة ونقلها إلى مختلف اللغات والسياقات الثقافية.
تشجيع البحث في مجال الموارد التعليمية المفتوحة.
تيسير العثور على الموارد التعليمية المفتوحة والحصول عليها وتبادلها.
تشجيع عملية الترخيص المفتوح للمواد التعليمية التي أنتجت استخدام الأموال العامة.
التراخيص المفتوحة:
إن من الاعتقادات الخاطئة أن المؤلف والناشر لمواده عبر الانترنت ضمن التراخيص المفتوحة المصدر(Open Source ) قد تخلى عن كافة حقوقه في هذه المادة. ولكن الأمر عكس ذلك، فالمؤلف والناشر ضمن التراخيص المفتوحة المصدر قد ضمن حماية ملكيته في اطار قانوني ضمن له حقوقه في النشر، في ظل بيئات يتم فيها نسخ المحتويات (لاسيّما الرقمية) وتبادلها عبر شبكة الانترنت من دون الحصول على إذن مسبق، وفي هذا الإطار ظهرت أطر قانونية تقنن استخدام المواد والمصادر كي تحفظ حقوق المؤلفين والناشرين، وعليه؛ فقد ظهرت العديد من الأطر القانونية تقنن استخدام المصادر التعليمية المفتوحة، بحيث بعضها يسمح بنسخ المواد والبعض الآخر يتيح للمستخدمين تكييف المواد وترجمتها ونسخها. ومن افضل التراخيص التي نشأت هو ترخيص الموارد المشاع الابداعي Creative Commons فهو ترخيص يتبع آليات تضمن نسب المواد الى أصحابها مع السماح بتبادلها، أو أنها تقوم بتقييد النشاط التجاري إذا ما رغبوا، أو تمنع الآخرين من تكييف المواد إذا ما كان ذلك مناسباً. وبالتالي، فإن المؤلف الذي يعطي ترخيص المشاع الإبداعي لأعماله يسعى تحديدا إلى الإبقاء على حقه في هذا العمل، ولكنه يوافق- من خلال الترخيص - على التخلي عن بعض تلك الحقوق.
أبرز الخصائص المميزة لترخيص المشاع الإبداعي :
يوفر المشاع الابداعي تراخيص مفتوحة سهلة الاستخدام للمواد الرقمية تجنب القيود على حقوق التأليف والنشر التي عادة ما تطبق تلقائيا.
يأخذ بالاعتبار قوانين الملكية الفكرية في مختلف الدول والسلطات القضائية، كما أنه يتيح نسخها بلغات مختلفة.
يوجد في الموقع الإلكتروني لترخيص المشاع الابداعي برنامج آلي يعرض أكثر التراخيص ملائمة للمستخدم بناءً على إجابته لأسئلة محددة تتعلق بكيفية استخدام مؤلفاته، وذلك لتسهيل حصول المستخدمين على التراخيص.
تتضمن جميع نماذج تراخيص المشاع الإبداعي الحقوق الأساسية للمؤلفين تأكيداً لحقهم في الملكية الفكرية وحقهم في منح حريات محددة عند النشر.
كما يحق للمؤلف ضمن نطاق هذا الترخيص وبطريقة سهلة الاستخدام منح أشخاص آخرين الحق في نسخ أعماله، والسماح لأشخاص آخرين بإجراء تغييرات على مؤلفاته دون الحصول على إذن مسبق.
والترخيص يسمح للمستخدمين وضع بعض القيود على هذه الأذونات، فعلى سبيل المثال، وضع شرط إسناد العمل الأصلي إلى مؤلفه، أو تقييد إعادة استخدام الموارد لأغراض تجارية.
جودة المصادر التعليمية المفتوحة :
ضمان جودة المصادر التعليمية المفتوحة من الصعوبة بمكان في ظل الطفرة الالكترونية في المحتويات المفتوحة المصدر أو المحمية بملكية فكرية؛ وفي ظل الكثرة والوفرة للمواد والموارد التعليمية والتربوية - باعتبارها صفة ايجابية - تقل الحاجة الى الانفاق واستهلاك الجهد البشري؛ الا انها تحتاج إلى وجود مهارات في البحث والاختيار والتكييف والتقييم، ومع التزايد في النشر للمؤسسات التربوية والتعليمية على الشبكة الالكترونية، والتنوع في العرض والطرح، وجب على تلك المؤسسات ضمان جودة محتوى المواد والمصادر المنشورة؛ فهي تعكس صورتها ومدى تطور ادائها وجودتها؛ ويستوجب ذلك الاستثمار الجيد في الانتاج بحيث لا يتم النشر الى بعد سلسلة من الاجراءات يتم من خلالها الاختيار الانسب للمواد المنشورة، وهذه الاستثمارات ستؤدي مع الوقت الى تسهيل الحصول على موارد جيدة للاستخدام، وهنا تبقى المسؤولية الأولى لإيجاد الموارد الصحيحة واستخدامها لدعم التعليم الجيد في يد المؤسسات نفسها، مما يؤكد على ضرورة استحداث قسم بالمؤسسات يعمل على ضمان جودة المنتج من المحتويات يدعم بأفراد أكاديميين متخصصين، او اسناد مسؤولية ضمان الجودة لإحدى المؤسسات المعنية بالجودة.
معوقات انتشار المصادر التعليمية المفتوحة :
لعل من المعوقات التي قد تحول من انتشار المصادر التعليمية المفتوحة هي فكر الناشرين و المؤسسات، وكذلك القوانين والسياسات المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية والطباعة والنشر، وبناء القدرات البشرية، والامكانيات التقنية والتكنولوجية المتعلقة بالبرمجيات، والاجهزة وانظمة التخزين، وأخيراً سياسة ضمان الجودة، فتخوف الناشرين والمؤسسات من وضع محتويات موادهم برخص مفتوحة المصدر يتمثل في حقوقالملكية الفكرية أو الربحية، وكذلك التخوف من الاستغلال بغير حق بالتكسب من ورائها أو سرقتها ادبيا أو إساءة استخدامها أو أن هناك مخاوفاً كامنة لدى الناشرين حول عملية النقد لموادهم من قبل المتخصصين والأكاديميين من نظرائهم مما الى التفكير بافتقار موادهم إلى الجودة ،وفي أغلب الأحيان جميع ما ذكر هي مخاوف قد يكون لها ما يبررها ، ولكن إذا إلى كل واحدة على حدةٍ و التخوف من عدم الربح؛ فذلك يتطلب تخصيص حوافز للنشر مع أنه وفي حقيقة الأمر أن المواد التعليمية هي ذات قيمة ربحية ضعيفة، وهي في طريقها إلى الاضمحلال مع تزايد المواد التعليمية المجانية على شبكة الانترنت، ومن المرجَّح أن تصبح منافذ بيع المواد التعليمية العامة هي الأكثر تخصصية وربحية عن بقية المواد المنشورة. أما إذا كان التخوف من النقد؛ فهذا يتوجب العمل على تغيير القناعات من حيث توضيح أهمية النقد في البناء والتطوير والذي يؤدي الى تحسين جودة المواد المنشورة ومنه الى تطور قدرات الناشرين، أما إن كان الناشر لديه الخوف من الاستغلال التجاري لمواده فهذا ما يمكن ان يقع تحت الإطار القانوني للمصادر التعليمية المفتوحة من أهمية الاطمئنان إلى أن جميع مواد الطبع والنشر محفوظة الحقوق لذلك الناشر مما يتطلب أن تكون جميع حقوق الملكية الفكرية مرنه بحيث تسمح للناشرين بالاحتفاظ بحقوقهم.
الخاتمة :
إن البعد التربوي والرقمي للمصادر التعليمية المفتوحة ضمن النطاق القانوني، يجعل منها ذات أهمية في العملية التعليمية، وهذا ما يتضح يوماً بعد يوم من خلال ما نراه على الشبكة المعلوماتية من مواد ومحتويات تعليمية وتربوية، ولكن التوجيه والتقييم هو الدور الذي يجب ان يلعبه كلٌ من التربويين والآباء، فمسارات المواد المحمَّلة على الانترنت عديدة واتجاهاتها متنوعة، فلابد من تقييم وتبصير كي نأخذ المفيد ونترك ما غير ذلك خدمة لأهداف وسياسات المناهج والبرامج التعليمية، فالقيمة التربوية الفعلية لا تكمن في كمية أو عدد المحتويات للمصادر التعليمة فحسب إنما بقدرة الابناء على الوصول والتقييم والتكييف بشكل فعَّال لتلك المصادر الامر الذي يوجب علينا اقامة جلسات علمية أو دروس خاصة أو استشارات فردية لتقييم دقيق حول انطباعات واتجاهات الابناء في ذلك.
Glennie. J & Others, 2012, Open Educational Resources and Change in Higher Education: Reflection from Practice, Commonwealth of Learning, VancouverGlennie. J & Others, 2012, Open Educational Resources and Change in Higher Education: Reflection from Practice, Commonwealth of Learning, VancouverGlennie. J & Others, 2012, Open Educational Resources and Change in Higher Education: Reflection from Practice, Commonwealth of Learning, Vancouver.
Asha. K & others, 2011, A basic Guide to Open Educational Resources, Commonwealth of Learning, UNESCO.
http://en.unesco.org/events/unesco-workshop-development-kenya-national-oer-policy, Access in 2 jan 2014.
بقلم / سيف بن حمد البوسعيدي
saifalbusaidi@moe.om