لقد تأكدت مسألة حقوق الإنسان في سلطنة عمان منذ زمن طويل، وأصبحت واقعاً ملموساً في عهد النهضة المباركة، وجميع حقوق الإنسان العماني مكفولة بنص القوانين والتشريعات الواردة في النظام الأساسي للدولة من أجل أن يحيا حياة كريمة ؛بدءاً من حق التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية الأولية وحق العمل مروراً بالحقوق السياسية كالانتخاب والشورى والتمثيل البرلماني.
كما يتضح كذلك من خلال انضمام السلطنة إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة؛ كاتفاقية حقوق الطفل ( 1996م)، و إلى "البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية حقوق الطفل"؛ بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبيع الأطفال، واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية (2004م).وإلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ( 2003م)، وإلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ( 2006م) .
وعلى صعيد العمل الحقوقي فيما يخص العمال ؛ نجد أن هناك العديد من القوانين والتشريعات المنظمة لسوق العمل والتي تكفل حقوق العمال وتراعي في الوقت نفسه مصالح أصحاب العمل بما يحقق الجودة النوعية والتي من أهمها قانون العمل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( 35/2003م) المعدل بالمرسوم السلطاني رقم ( 63/2009م).
وتجدر الإشارة إلى أن السلطنة قد انضمت إلى أربع من اتفاقيات منظمة العمل الدولية الثماني المعنية بحقوق الإنسان، وهي: "الاتفاقيتان (29) و(105) الخاصتان بإلغاء السخرة والعمل الإجباري" (1998م، 2005م), و"الاتفاقيتان (82) و(138) الخاصتان بمنع استخدام الأطفال والقاصرين" (2005م، 2001 م ).
وأما بالنسبة للمواثيق الإقليمية فقد وافقت سلطنة عُمان على "إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام", الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية عام 1990م. كما وافقت على "الميثاق العربي لحقوق الإنسان/ المعدل", الذي اعتمدته القمة العربية في تونس في مايو 2004م.
وقد توجت تلك الجهود المباركة بالعديد من المراسيم السلطانية السامية؛ كالمرسوم السلطاني رقم (30/2008م) القاضي بإصدار قانون مساءلة الأحداث، و المرسوم السلطاني السامي رقم (124/2008م) بتشكيل لجنة لحقوق الإنسان بالسلطنة وأخيراً المرسوم السلطاني القاضي بإصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (126/2008م).
ولكي تتأصل مفاهيم حقوق الإنسان لدى أفراد المجتمع بما فيهم الناشة وذلك من أجل أن تكون ثقافة وسلوكاً وأسلوب حياة؛ فقد طبقت السلطنة الخطة العربية للتربية على حقوق الإنسان التي أقرتها جامعة الدول العربية، والتي تم تنفيذها مدة ستة أعوام بين (2009 – 2014م). وفي هذا الشأن تم رصد العديد من الممارسات الإيجابية في مجال التربية على حقوق الإنسان على كافة الأصعدة، ومما يجدر ذكره أن تجربة السلطنة في مجال التربية على حقوق الإنسان تعتبر من أفضل التجارب على المستوى العربي، ويمكن استعراض منجزات السلطنة في هذا المجال وفقاً للمحاور التالية:
أولا: إدماج حقوق الإنسان في المنظومة التربوية في مختلف المراحل التعليمية.
مرت تجربة السلطنة في إدماج مفاهيم حقوق الإنسان والطفل في المناهج الدراسية العمانية بكافة المراحل التعليمية؛وقد تم تبني مشروع إ عداد "وثيقة إدماج مفاهيم حقوق الإنسان والطفل في المناهج الدراسية العمانية للحلقة الأولى من التعليم الأساسي"، وتجريبها خلال العام الدراسي 2008/2009م في ثلاث مناطق تعليمية ، وسوف يتم التوسع في أعداد المناطق التعليمية التي ستطبق الوثيقة.
أما على مستوى التعليم العالي؛ فقد تم وضع بعض المفردات الخاصة بحقوق الإنسان ضمن توصيف بعض المقررات الدراسية كالمقررات التربوية، كما تم تخصيص أكثر من مادة دراسية في مقررات التعليم العالي.
ثانيا: تأهيل الكوادر البشرية وتدريبها في مجال التربية على حقوق الإنسان:
تم إلحاق عدد من الموظفين بدورات تدريبية داخلية وخارجية تتعلق بحقوق الإنسان، تشمل موظفي مؤسسات الشؤون العدلية، وكذلك المؤسسات المعنية بشؤون الطفولة ومؤسسات التنمية الاجتماعية القانونية والدينية بهدف إكساب المتدربين مهارات جديدة ومعرفة دقيقة بكيفية تنفيذ أحكام الاتفاقيات ذات العلاقة بمجال التربية على حقوق الإنسان، والتي من أبرزها الدورات المتعلقة بتصميم برامج تنشئة وحماية الطفل.
وعلى مستوى المؤسسات التعليمية؛ فقد تم عقد عدد من الورش التدريبية لأعضاء مناهج جميع المواد الدراسية كجزء من خطة متكاملة لتدريب المعلمين والمشرفين التربويين على استخدام وثيقة إدماج مفاهيم حقوق الإنسان والطفل في المناهج الدراسية العمانية و كيفية تضمين مفاهيم حقوق الإنسان والطفل الواردة بالوثيقة المذكورة من خلال إعداد كتيبات وحقائب تدريبية معينة للمعلم على توظيف مفاهيم وقيم حقوق الإنسان والطفل، وعلى بناء الأنشطة التعليمية التعلمية لإكساب الطلاب هذه المفاهيم.
ثالثا: تهيئة البيئة التعليمية للتربية على حقوق الإنسان.
وقد تم ذلك في البيئة المدرسية من خلال ورش العمل والوسائل والكتب التي تم توفيرها للمعلمين وكذلك الأنشطة الطلابية المتضمنة بالمناهج الدراسية على شكل أنشطة صفية ولا صفية كالإدارة الذاتية، وصور، ورسومات تتعلق بحقوق الطفل.
وعلى مستوى التعليم العالي؛ فقد تم تأسيس اللجان الطلابية بكليات العلوم التطبيقية لاختيار ممثلين في اللجان الطلابية عن طريق الانتخاب، وهذه اللجان تتمتع باستقلالية تامة في الإدارة الطلابية، مع إتاحة الفرصة للطلبة في إدارة وتنظيم لجان الأنشطة الطلابية العلمية والثقافية ، كما تتم عقد لقاءات مفتوحة بين المسئولين والطلبة.كما لعبت العديد من المؤسسات الأخرى بما فيها المؤسسات الإعلامية – على سبيل المثال- دوراً كبيراً في ذلك من خلال البرامج المطروحة لتهيئة البيئة التعليمية لذلك، وخصوصا تلك الموجهة لفئة الشباب لإبداء آرائهم حول مختلف القضايا التعليمية والثقافية والاجتماعية.
رابعا: توسيع المشاركة المجتمعية في نشر ثـقافة حقوق الإنسان:
يتضح ذلك من خلال الجهود الإعلامية والتوعوية الكبيرة التي تقوم بها الجهات المعنية بمسألة التربية على حقوق الإنسان ومؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى الأدوار المهمة التي تقوم بها جمعيات المرأة العمانية والتي تنتشر في كافة المدن العمانية، كما لا ينبغي الدور الكبير التي تقوم به الهيئات المختلفة من مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات المهنية التخصصية، والمجالس الطلابية، واتحاد نقابة العمال، ولجان التوفيق والمصالحة، ونوادي الجاليات الأجنبية .
خامسا: التوعية بالتربية على حقوق الإنسان.
تحرص السلطنة على متابعة المستجدات الحقوقية والتربوية والتطورات الاقتصادية والثقافية للتفاعل معها وفق مصالحها الوطنية، والتعامل بوعي وبصيرة مع التحديات التي قد تسفر عنها، والتي أصبحت محل اهتمام كبير، وبصفة خاصة التحديات المتعلقة بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والتفاهم الدولي في إطار من العدالة والمساواة ومبادئ السلام العالمي من اجل توعية الأفراد بمسألة التربية على حقوق الإنسان. وقد تم ذلك من خلال إتاحة الفرصة لشرائح المجتمع المختلفة لطرح قضاياهم في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، كما عملت تلك القنوات الإعلامية على تغطية أحداث اجتماعية مهمة كالمراسيم السلطانية وانتخابات مجلس الشورى والجلسات البرلمانية والإعلان عن تفاصيل الموازنة السنوية للدولة ومناقصات المشاريع الحكومية وغيرها بكل شفافية.
وأخيراً؛ فإنه يتضح مما تقدم أن التربية على حقوق الإنسان مشروع وطني بامتياز، وقد تعاطت معه الدولة بجدارة؛ بل واعتبرته من صميم برامج تكوين النشء سواءً في المؤسسات التربوية في التعليم المدرسي والتعليم الجامعي، أو في الأسرة، أو في مؤسسات التنشئة الاجتماعية خارج أسوار المدرسة. وهذا بلا شك سينتج جيلاً قادراً على احترام مبادئ حقوق الإنسان، ومعرفة حقوقه وحقوق غيره تحقيقاً لمقتضيات المواطنة، وتأكيداً لدور المواطن في الحفاظ على المكتسبات الوطنية وصون الأمن والاستقرار الوطني، وخدمةً لتوجهات التنمية المستدامة.
إعداد
الدكتور / حميد بن سيف النوفلي